Picture of Founder

 أتيت من عالي السماء

  vom Himmel hoch  

             كان شتاء عام ١٩٥٧ من الفصول السنوية التي تركت أثرا جميلا ومميزا في ذاكرتي في المدرسة. استيقظنا  من النوم لنجد الثلوج قد غطت الأرض  والشجر وسطوح المدرسة وارتفعت على الطرق  إلى أكثر  من ١٢٠ سم. فأسرعنا نحن الطلاب كبارا وصغارا لفتح الطرق الرئيسية لتأمين  الوصول إلى المطبخ  والصفوف  وبيت الرئيس  والكنيسة. و بعد ساعات قليلة  وبِهمّة الشباب، كانتSchneller Buben الطرق خالية من الثلوج  بعرض مترين، وتحولت إلى ملعب والى أستوديو لأخذ الصور التذكارية، والمباريات في الطابات الثلجية.  
         وفجأة، لفت نظرنا طائرة  ذات محرك واحدا تحلق فوق  المدرسة وعلى ارتفاع منخفض جدا. مما أرعبنا وجعلنا نضرب طابات الثلج في اتجاه قائد الطائرة الذي كان يراقبنا ويحينا بأيديه وكأنه يريد أن يقول لنا شيئا ما. وبعد تحليقات جميلة فوق رؤوسنا انحنت الطائرة إلى اتجاه نهر الليطاني وبدأت بإسقاط البرشوتات  المعلق عليها أكياسا وصناديق متفاوتة الأحجام، الواحد تلوى الآخر لتنتشر بفعل الرياح الشديدة وتوزع إلى ما بين قصر بسترس ونهر الليطاني ونبع الخريزات. ودون مراجعة  المسؤولين،  وبنخوة عالية انطلقنا نحن الطلاب تحت إشراف  أولاد صفي متجهين إلى  جميع الجهات راكضين فوق الثلوج العالية لجمع المواد الغذائية التي أرسلت لنا من قبل الحكومة اللبنانية، بعد أن أغلقت طريق ظهر البيدر السبيل الوحيد الذي يربطنا في بيروت، بسبب ارتفاع الثلوج إلى أكثر من مترين في بعض الأماكن. وأصبح تأمين المواد الغذائية للطلاب والموظفين في الوقت القريب أمرا مستحيلا.
        كانت عملية التفتيش وجمع ونقل المواد الغذائية صعبة ومعقدة جدا بسبب الثلوج العالية وعدم توفر الملابس والأحذية المناسبة. ولسقوط البرشوتات قي أماكن مختلفة وبعيدة عن بعض. ولكن بحثنا بجد وإخلاص  وشعورنا بالمسؤولية لتامين المواد الغذائية للطلاب، كانت دوافع كافية للاستمرار في البحث وانجاز المهمة. حملنا الأكياس والصناديق الكثيرة على ظهورنا والتي كانت تحتوي كما علمنا فيما بعد على مواد غذائية أساسية مثل الأرز والحنطة والعدس والفول والسكر والمعكرونة والعجوة والقطين. وخصوصا الحليب والبيض على شكل البودرة. وأحضرناها إلى الست مريا شنلر المسؤولة عن عملية التغذية في المدرسة.
        لقد كان طبيعي جدا أن تنتهي قصتي هذه واصفا فيها يوم هطول الثلوج المشوق إلى  هنا،  لو أننا لم نعثر في المرحلة النهائية من عملية التفتيش  على صندوق كبير وثقيل بالقرب من ضفاف نهر الليطاني. لذا تستمر القصة. فتناوبنا على حمل الصندوق وبدأنا بعملية إعادة الانتشار متسائلين عن مضمون هذا الصندوق الثقيل. كانت هناك عدة دوافع حملتنا على دفن هذا الصندوق تحت الثلوج  قبل الوصول إلى المدرسة رغم الفضولية للتعرف على محتواه. أهمها استيقاظ غريزة الغزو فينا والتي كانت متوفرة عند العرب في العصور الجاهلية، وللمحافظة على سرية العملية والتريث لإيجاد خطه محنكة للتعامل مع هذا الصندوق.
          مضت مدة على ترك هذا الصندوق في مكانه الأمين. وفي ذات ليلة ذهبنا قبل أن تذوب الثلوج  وأحضرناه واحكمنا اخبائه في غرفة صفنا. و بعد مشاورات طويلة بين أبطال القصة قررنا فك اللغز وفتح الصندوق. لقد كانت مفاجأة كبيرة عند الاطلاع على محتوياته.  وجدنا ٤٨ علبة لحم بقر من النوع الممتاز.  وكانت كل علبة تحتوي على ٥٠٠ غرام  لحمة. لم يكن في موسوعات عقولنا نحن تلاميذ شنلر انه بالإمكان تخزين لحم البقر في علب. و بعد قراءة  فوائد المواد المتوفرة في هذا النوع من اللحوم  في الانترنت المحلي وضرورة أكلها من حين إلى آخر لما فيها من البروتينات والفتيمنات والهرمونات  لنمو الجسم وتغذية الدماغ، ولطمعي في تحسين علاماتي خصوصا في الرياضيات عبر التغذية المناسبة،  قررنا الاحتفاظ بهذه الغنيمة ومن اجل المحافظة على سرية الموضوع اعددنا خطة محكمة لتوزيعها بيننا وذالك في التخلي عن  وجبة الإفطار وأن يأخذ كل واحد منا قطعتين من الخبز معه إلى غرفة الصف. وفي فرصة الساعة العاشرة كنا نفتح يوميا أربعة علب ونقسم محتوى كل علبة إلى قسمين. وكان نصيب كل واحد من أولاد الصف وعددنا ثمانية ٢٥٠ غراما كانت توضع هذه القطعة من اللحمة بين الخبزتين  دون استعمال مواد مليّنه مثل الخس والبندوره لعدم توفرها. وبذالك كان  السُمك  النهائي للساندوش سبعة سم. وبعدها يبدأ الكفاح لأكل هذا الساندوش على طريقة  الماكدونلدز. كان من المقرر أكل هذه الكمية من اللحوم دون استراحة في مدة أسبوعين للمحافظة على سريتها. وهذا ما تم انجازه بكل ما هنالك من نتائج وعواقب صحية. 
            وفي مدة قليلة، ظهرت معالم التغذية الحسنة على أجسامنا.  فمنا من زاد وزنه بشكل ملحوظ. ومنا من حصلت عنده تشققات في زوايا الفم من جراء صعوبة إدخال الساندوش الضخم إلى الفم. ومنا من برز كرشه. ومنا من صار معه عصر هضم وإمساك. ومنا من دب فيه الكسل والنعاس بسبب السمنة المفرطة. وأما التوقعات في تحسين العلامات فلم تظهر أثناء هذه المدة القصيرة. وفي هذه المرحلة الراهنة من نتائج التغذية الحديثة، وصلت رسالة إلى المدرسة من وزارة الداخلية اللبنانية تحتوي على  لائحة عن المواد الغذائية التي أرسلت عبر الهواء إلى المدرسة. وتزامنت هذه الرسالة مع نهاية برنامجنا الغذائي الحديث ودفن علب اللحمة الفارغة في الجورة بالقرب من سياج المدرسة من الناحية الشرقية. اعتذر عن  عدم إعطاء تفاصيل دقيقة عن مكان الجورة. ولما بدأت عملية التفتيش على صندوق اللحم المفقود والتحقيق، شكّت اللجنة المحققة في أولاد صفي بدليل التغيرات الخارجية التي ذكرتها أعلاه. ودون سابق إنذار جرت حملة التفتيش في غرفة صفنا ولكن دون العثور على أي اثر للعملية، ولقد كان للمربي تشارلي عازر رحمه الله الباع الطويل في إبعاد الشك عنا لحبه لنا ولثقته فينا. لم نشعر في ذنب لما فعلنا لأننا نظرنا إلى عملية الإنزال من ناحية دينية، إذ أن هذه المنزلات لم تصلنا عن طريق البر. ومثلها مثل الكبش الذي أنزل إلى إبراهيم عندما كان مزمعا تقديم ابنه على المذبح. ومثل نزول المن والسلوى ، وجميعها أنزلت من السماء من إنعام الله.   
باسيل رشماوي موسباخ في شهر أكتوبر عام ٢٠٠٨        
Schneller School Name in Arabic
Johann Ludwig Schneller Schule

Education for Peace since 1860